Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

الثورة السورية والمصالح الدولية -2- تركيا، روسيا والصين

06/07/2013

علاء الدين الخطيب

تناولنا بالمقال السابق الموقف الغربي والإسرائيلي من الثورة السورية ضمن معادلة الصراع الدولي المحتدم. وفي هذا المقال نناقش الموقف التركي، والموقف الروسي الصيني من الثورة السورية.
الموقف التّركي
منذ وصول حزب العدالة والتّنمية لتركيا، تحاول حكومتها توسيع الدّور التّركي وتنويع علاقاته للخروج من الاعتماد الكامل على النّاتو والغرب وتحقيق الوجود التّركي في المنطقة كدولة قوية في مواجهة الدّور الإيراني والإسرائيلي. كما أن تركيا حققت نجاحات اقتصادية متعددة، لكنها بقيت تعاني من مشكلتين أساسيتين: حاجتها المتزايدة للطاقة فهي لا تملك تقريبا أية مصادر طبيعية للغاز أو النّفط، ومشكلتها التّاريخية مع الأكراد. بالإضافة
the strongsلذلك تلقت تركيا درسا قاسيا بعد حرب احتلال العراق 2003 حيث كانت الخاسر الوحيد بين دول المنطقة فلم تظفر بحصتها من الكعكة العراقية مثل إيران وأمريكا وسورية ودول الخليج العربي، بل زاد قلقها بظهور دولة كردستان العراق. لكل هذه الأسباب والفشل في سياسة “صفر مشاكل” كان القرار التّركي الواضح أن لا يدع سورية الجديدة أيضا تفلت من تأثيره وبوضوح أن تنال تركيا حصتها من الكعكة السّورية. لكن حكومة تركيا أيضا غير واثقة ما هو الخيار الأفضل، بعد أن اطمأنت لحكم الأسد خلال العقد الماضي. فمن ناحية أولى نشوء سورية ديمقراطية يحظى بها الأكراد بحقوق المواطنة الكاملة هو خطر معنوي كبير عليها كدولة ظالمة للأكراد، ومن ناحية ثانية فسورية مقلقلة بحرب أهلية أيضا خطر كبير على حدودها. لذلك يستمر الدّور التّركي بالتأرجح بين الشّدة واللين مع الأزمة السّورية لحين تكشف أوضح لموازين القوى.
لكن من الواضح أنها ترتكب أخطاء قاتلة بحق تركيا كدولة باستسلامها للخط القطري السعودي حيث سمحت باستخدام أراضيها ممرا للمقاتلين السلفويين الجهادويين. فلا يمكننا تفهم أن دولة واعية تسمح أن تكون أراضيها ممرا لمقاتلين يحملون الفكر القاعدي العنفي مع سلاحهم. صحيح أن الرقم قد لا يتجاوز الآلاف القليلة لكن تجارب جميع الدّول تؤكد أن هذا تصرف كارثي على الدّولة وأقرب مثال يعرفه الأتراك جيدا هو تلاعب النظام السوري مع هذه المجموعات بعد حرب 2003 وهم الآن قد ارتدوا عليه. ما يبدو من الظاهر هو أن الحكومة التركية مستسلمة للسياسة الأمريكية والقطرية والسعودية، فحتى اختيارها للحلفاء السياسيين في المعارضة السورية وقع على الإخوان المسلمين رغم علمهم أن هذه الحركة لا تحظى بوجود شعبي على الأرض السورية. هل يمكن تفسير ذلك ضمن الحلف الغربي الإسلاموي السياسي وتريد تركيا الانضمام لذراعي الولايات المتحدة في السيطرة على الإسلاموية السياسية من خلال قطر والسعودية؟ يمكن أن يكون هذا أحد الأسباب التي تدفع أردوغان وحكومته لهذه السياسة.
هل كان بإمكان تركيا أن تلعب دورا مختلفا في سورية وتحافظ بنفس الوقت على مصالحها؟ بالواقع إن هذا الدور كان ممكنا جدا لو أن أردوغان وحكومته امتلكوا الثقة الكافية بالنفس لمواجهة ضغوط قطر والسعودية وأمريكا. لقد كان بإمكان الحكومة التركية بدل الركض وراء إقناع بشار الأسد بالتروي والحوار و ما يعلمه أي سياسي خبير ان هذا التروي والحوار مستحيل مع النظام السوري، كان بإمكان تركيا احتضان المعارضة السورية الحقيقية الواعية والجيش الحر وتعمل بصدق معهم على تنظيم العمل الثوري السوري انطلاقا من أراضيها وتقدم لهم فعلا التوجيه والنصيحة الصادقة وبنفس الوقت تستخدم علاقاتها الممتازة مع الروس والإيرانيين لإقناعهم بعدم محاربة الثورة الشعبية في مقابل ضمان عدم وقوع سورية في الحلف الغربي الخليجي العربي. لكن أردوغان اختار الطريق الأخطر على تركيا والأصعب وراهن على الحصان الخاسر وهو الإخوان المسلمين والآن هو مضطر لاجتراح حلول تمكنه من التعامل مع صراع روسيا وأمريكا لكن من موقع أنه مجرد بيدق على طاولتهم. لقد فقد أردوغان فرصة أن يفتح العالم العربي أمام تركيا من خلال سورية حليفة قوية ومستقرة.
الموقف الروسي والصيني
لماذا يدعم حكام روسيا والصين النّظام السّوري بهذه القوة؟ طبعا لا يمكن لأي مطلع على السّياسة والتّاريخ أن يصدق الحكام الرّوس أو الأمريكيين أو أي سياسي عندما يتكلم عن الضّمير الإنساني أو القانون الدّولي خاصة خارج حدود بلده. كما لا يمكن الاقتناع أنها مجرد رغبة شيطانية من حكام روسيا أو عشق لشخص بشار الأسد أو غيره. نشر الكثيرون من المفكرين والسياسيين العرب والغربيين أن دافع بوتين لدعم النظام السوري هو فقط الانتقام من الغرب الذي سلب منه ليبيا، وأن الصين أيضا تتحرك بدافع “المشاجرة” فقط. طبعا هذا تسطيح للحركة الجيوسياسية ولا يمكن قبوله في تفسير مواقف حكومات دول عظمى مثل الصين وروسيا، هذه امبراطوريات غنية وقوية وليست قبائل. فالدول الكبرى لا تتعامل وفق المعايير العاطفية وإلا لما كانت دولا كبرى.
من النّاحية الاقتصادية، فسورية لا تشكل أي أهمية اقتصادية لروسيا ولا للصين مقارنة بالسوق العالمي. وقد أطلق الإعلام إشاعة أن روسيا متخوفة من خط غاز من قطر لأوروبا يمر عبر سورية. وهذا مجرد خيالات لا تتوافق مع الحقائق الموجودة في سوق الطاقة واستراتيجيات أوروبة المستقبلية، فقطر والسّعودية اتخذتا قرارا استراتيجيا لتصدير الغاز المسال عبر الشّحن البحري مثل النّفط وليس عبر أنابيب غاز طويلة غير آمنة تمر عبر العديد من الدّول. إن قرار إنشاء خط غاز ضخم كهذا لا يمكن أن يكون سريّا أو وليد اللحظة. هذا قرار استراتيجي ضخم لأوروبة ولدول الخليج ومكلف جدا وكل الدراسات المتعلقة باستراتيجيات الطاقة الأوروبية لا تستند لهذا الاحتمال. لسبب أساسي واضح هو “أمان الطاقة”، لن تسلم أوروبة رقبتها لمنطقة مشتعلة بالحروب والقلاقل مثل الشرق الأوسط، فيوم أوكارنيا “أخذت على خاطرها” عاشت أوروبة كابوسا فكيف تأمن لخط يمر بمنطقة ملتهبة مثل الشرق الأوسط. أما قصة الاكتشافات الغازية في البحر فلا يوجد أي دليل علمي أو استكشافي موثوق يؤكد هذا الكلام، بالعكس التوقعات تقول ان حصة سورية أقل بكثير من لبنان أو فلسطين.
الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أن الصين استخدمت الفيتو خمس مرات فقط منذ 1945 حتى العام 2011 وفقا لإحصائيات الأمم المتحدة، ثم استخدمته ثلاث مرات في سنة واحدة من أجل سورية وبالتوازي مع الفيتو الروسي أي أن هذا الفيتو الصيني لم يكن عمليا ليغيّر شيئا. فهذه رسالة واضحة من الحكومة الصينية أنها متمسكة بالنظام السوري كما هو. أفلا يستحق منا هذا الواقع محاولة فهم الحراك الدّولي خارج أطر العواطف والإدانات والأخلاق، وفهم النّظام العالمي المعقد كما هو وليس كما نتخيله؟ فهم الموقف الصيني والهندي أيضا بدعم بشار الأسد هو مفتاح اللغز في هذا الصراع الشرس على بلد صغير مثل سورية.
السبب الأساسي لحكام روسيا والصّين لدعم الأسد هو كبح جماح الغرب في السّيطرة على غرب آسيا بعد أن توسعت سيطرتهم في وسط آسيا خلال العقد الأخير بشكل متسارع(الباكستان، أفغانستان، جمهوريات الاتحاد السّوفيتي سابقا) وبالتحالف مع المال السعودي القطري والحركات الإسلاموية السياسية. كنا قد أشرنا بالمقال السابق للصراع الضخم في وسط آسيا والمحيط الهادي ويمكن لمن شاء التفاصيل الرجوع له. هذه السيطرة يمكن أن تشعل الداخل والمحيط الإيراني وبالتالي اشتعال وسط آسيا ووصول النيران لداخل حدود الصين وروسيا والهند، فإيران بحكومتها القوية المستقرة حليف استراتيجي أساسي للصين وروسيا ليس فقط لأنها زبون غني لبضائعهم ومصدر مهم للطاقة عند الصينيين ، بل أيضا لانها ضمان لاستقرار وسط آسيا.
من ناحية ثانية، بسبب طبيعة الحكم الصيني والروسي الذي ما زال بعيدا عن الديمقراطية الحقيقية فالحكومتان الصينية والروسية غير قلقتين من الرأي العام عندهم، كما أن الإعلام عندهم تحت سيطرة الحكومة فهما يقدمان لشعوبهما نسخة مترجمة عن إعلام النظام السوري بما يضمن تحييد الرأي العام الداخلي.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=356084