Tue. Apr 16th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

الثورة السورية والمصالح الدولية -4- الموقف العربي

06/07/2013

علاء الدين الخطيب

متابعة لمقالاتنا الثلاثة الأخيرة عن الموقف الدولي من الثورة السورية.

الموقف العربي
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية واستقلال الدول العربية عن الاستعمار الغربي تركز ثقل القرار العربي في مصر ومن ثم سورية والعراق، ولم يكن لدول الخليج رغم غناها المادي تأثيرا ظاهرا على الحراك العربي إلى بداية الثمانينات، حيث بدأت مراكز التأثير على القرار العربي تنتقل تدريجيا إلى السعودية وخلال السنوات العشر الماضية إلى قطر. وتراجع كثيرا دور مصر كأكبر دولة عربية بعهد مبارك ودور سورية بعهد بشار الأسد. وطبعا فإن العراق خرج من المعادلة منذ حرب الكويت ومحاصرته عالميا. إذا منذ بداية الألفية الثانية أصبحت قطر والسعودية هما الدولتان الأكثر تأثيرا على القرار العربي بسبب غناهم الفاحش ودعم الغرب لحكوماتهم بالإضافة لاستثمارهم لوسائل العصر الحديث في صناعة الرأي العام من خلال الإعلام. فرغم أن قناتي الجزيرة والعربية الفضائيتين مثلتا ثورة في الفضاء العربي من حيث فتح باب النقاش وحرية التعبير والنقد، إلا أنهما بالواقع العملي كانتا مسيَّستان تماما لصالح الحكم القطري والسعودي ذو التوجه الإسلاموي السني للوصول لقلوب وعواطف الشارع العربي. تبع هذه القنوات الكثير من الفضائيات العربية التي وصلت لما يقارب 300 قناةSlide50.
يعيش الحكام العرب في الخليج خوفين كبيرين: الأول، هو دولة جارة قوية عسكريا لها أطماع بالخليج مثل إيران أو العراق وقد ذاقوا الأمرين مع صدام الذي حاول احتلال الكويت وضمها للعراق. والثاني، نجاح نموذج ديمقراطي حقيقي في سورية أو مصر مما يهدد بنقل العدوى سريعا لداخل بلادهم وحكمهم. فرغم تراجع الثقل السياسي لمصر وسورية في المنطقة إلا أن تأثيرهم المعنوي والفكري والثقافي مازال كبيرا على الجوار. هذا التأثير المعنوي متأصل تاريخيا منذ القدم بسبب الطبيعة المناخية للمنطقة حيث كانت مصر وسورية موطن الممالك والمدن وبالتالي الإشعاع الفكري والعلمي. وحتى إسلاميا ورغم أن مكة والمدينة المنورة هم مركز وأصل مولد الدين الإسلامي إلا أن حواضر العراق وسورية ومصر انتزعت المركز الديني الإسلامي من الجزيرة العربية. بعد الثورة النفطية ثم بعد انهيار الإتحاد السوفيتي أدرك الحكم السعودي ومن ثم الحكومات الخليجية أن ارتباط شعوبهم المعنوي والقومي والديني مع المحيط لا فكاك منه وأن السيطرة على الحراك الشعبي العربي ضرورة ملحة لبقاء واستمرار سلطتهم، وبهذا المنحى توافقوا مع السياسة الغربية في المنطقة. فتم زيادة دعم الخيار الإسلاموي السياسي للوصول من خلاله للشارع العربي. هذه الخيارات أنشأت علاقة معقدة بين النظام السياسي السعودي وبين التيار الإسلاموي المتشدد. نظام حكم متبني تماما للسياسة الغربية وشديد المرونة مع معطيات السوق وفكر إسلاموي متعصب شديد التصلب.
مع بدايات إشارات الرّبيع العربي أصيب الموقف الخليجي ببعض الإرتباك والتردد، من ناحية أولى كان على أتم التوافق مع النظم العربية الحاكمة، ومن ناحية ثانية فقد أدرك جدية حركة الشارع العربي في تونس ومصر وليبيا ومن ثم سورية. وعلى ما يبدو أن بعد النظر الأمريكي قد تدخل لحسم هذا التردد بدفع النظام السعودي والقطري للتحرك السريع لامتصاص الغضب الشعبي والتحكم بالنتائج المستقبلية لهذا الربيع بما لا يهدد الحكم الوراثي الشمولي في الخليج. وفعلا كانت الحكومة القطرية الأسرع والأكثر مرونة ثم تبعتها الحكومة السعودية وبقية حكومات الخليج في محاولة السيطرة على نتائج الثورات العربية. تم دفع المال لاحتواء نتائج الثورات العربية في اتجاه إسلاموي متشدد وبدعم ورضى أمريكي، فما زال الخطاب الديني أقرب عاطفيا لقلوب الشعب المتدين عموما. كما أن ماكينات التّعبئة الطائفية السنية الشعية تعمل منذ عدة عقود على ضفتي الخليج العربي بين الحكومات العربية والحكومة الإيرانية. فاستمرت هذه الماكينة العربية النفطية في عملها لنقل ساحة العداء الأيديولوجي من الصراع العربي الإسرائيلي نحو التّقاتل الشّيعي السّني وتمديد هذا التّأثير نحو الشّرق نحو خاصرة روسيا والصّين.
بسبب حساسية موقع سورية شمال إسرائيل، التي تعد أولوية لحكام الغرب وبالتالي يجب على حكام الخليج التّعامل بحذر أكبر مع سورية، فالموقف العربي وبعد تيقنه أن حليفهم الأسد لم يعد صالحا للاستمرار، قرروا الانخراط في الصراع حول سورية من خلال بيع الكلام والشّعارات للشعب السّوري، وفتح جبهة إعلامية بظاهرها تساند الشّعب السّوري، لكنها تمرر الصيغة المناسبة لهم وهي نقل الثّورة من السّلمية والوحدة الوطنية إلى صراع طائفي ومجموعات متقاتلة تبيح عندها وبسبب القدرات المالية لحكام هذه الدّول التّحكم بنتائج الصراع. ويمكن ملاحظة هذه الانتهازية السّياسية من خلال الخمول الكامل لنفس هؤلاء الحكام من المأساة الفلسطينية أو مأساة شعب دارفور أو الصومال وحميّتهم الغريبة في ضخ السّلاح والمقاتلين لسورية.
وسياسيا تمكن المال العربي وبتنسيق مع حكام تركيا من التّحكم باستقطابات تركيب المعارضة التي تناسب سياساتهم، معارضة مفككة غارقة في الخلافات الدّاخلية والمفتقدة لأي خطط أو رؤى سياسية للقادم من الأيام، ويمثل ذلك المجلس الوطني السّوري وبعض قيادات الجيش الحر بالخارج.
الأخطر من ذلك هي محاولات التّحكم بحركة السّلاح في سورية، فبعض الكتائب التّابعة لمسمى الجيش الحر تحظى بتمويل كامل من المال الخليجي بينما كتائب كثيرة أخرى محرومة تماما من أي دعم. وبنفس الوقت يعاني آلاف اللاجئين السّوريين الأمرين على حدود تركيا والأردن ولبنان ومساعدتهم هي الأيسر والأقل كلفة بكثير من السّلاح لكن لا يصلهم من هذا “الكرم” العربي والدولي أي شيء سوى مساعدات فردية تأتي طبيعيا من شعوب الخليج العربي المتضامنة مع الشّعب السّوري بدون أي غايات سوى التّضامن الإنساني أو القومي أو الدّيني.
الخلاصة
بنهاية هذه الرؤية المختصرة للموقف الدولي حول سورية من خلال مقالتنا الأربعة نصل لنتيجة: لو تم ترك الثورة السورية تسير بقوتها الذاتية دون التدخلات الدولية لتم حسم النتيجة منذ نهاية 2011 لصالح الشعب السوري. لكن بسبب أهمية موقع سورية الجيوسياسي في الصراع العالمي، فإن تدخل المعسكر الروسي الصيني بمواجهة المعسكر الأمريكي الغربي مع حلفاء كل طرف من حكومات الإقليم أدى لتطاول مدة الأزمة السورية وزيادة عدد الضحايا البشرية بشكل مخيف. فحسب الظاهر أن الدعم الروسي الصيني الإيراني للنظام بالمال والسلاح هو المساهم الأساسي في شراسة رد النظام القمعي على الثورة، لكن واقع عمل المعسكر الأمريكي الغربي مع حلفائه من حكام الخليج وتركيا يؤكد أنهم يريدون إيصال الشعب السوري لحالة من الضعف والانهاك تبيح لهم إعادة تشكيل سورية حسب مصالحهم لتكون تابعا للمال الخليجي والفكر الوهابي المتعصب لزجها بالمعركة الأكبر مع إيران تحت مسميات دينية. وبالتالي فكل حكام الدول المؤثرة بالأزمة السورية أصبحوا شركاء بالجريمة الكبرى التي أصابت الشعب السوري.