Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

عندما يتحاذق بشار الأسد

21/08/2017

علاء الدين الخطيب

في خطاب جامح طافح أمام افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين، أفتى رأس النظام السوري بما لديه من نظرة كونية تحليلية ثاقبة للوضع الدولي، وللوضع السوري؛ وكأنه يريد أن يثبت صحة ما قاله أحد سيناتورات مجلس الشعب الأسدي: “أنت كثير على سورية يا سيادة الرئيس”.

لا يوجد معلومات مؤكدة، لكن يُقال إن بشاراً غير أبيه، فهو من يكتب خطاباته أو يتدخل بها أكثر، لأنه شديد الاعتداد بمنهجه العقلي الفذ؛ فلا يُعقل أن يكون هناك موظف يكتب خطابات الرئيس، ويقع بهذه المتناقضات والسقطات التي تدينه كرئيس وكنظام.

ليست المرة الأولى التي يعلن بها بشار الأسد، رضاه عن نتائج الثورة السورية بما يتعلق بالانشقاقات والضحايا، ففي عام 2012 في مقابلته مع قناة الدنيا، أعلن أن الانشقاقات هي “عملية تنظيف ذاتي“، واليوم يرى أن رغم كل ما حصل فهو قد حقق نصرا قال عنه: ” لكننا بالمقابل ربحنا مجتمعاً أكثر صحة وأكثر تجانساً بالمعنى الحقيقي“.

إن أسوء الطغاة لم يقلوا ذلك لشعوبهم بعد حرب طاحنة حصدت أرواح مئات الآلاف وشردت الملايين، فما بالك والحرب لم تنته؟ سأناقش كلام رأس النظام من موقعه هو، وليس من موقع رافض أو معارض:

مع من تقارن يا دكتور؟ هل المجتمع السوري الآن أكثر صحة وتجانسا من العام 2010؟ فماذا كنت أنت خلال عشر سنين، وأبوك خلال ثلاثين سنة تفعلان؟ أتقول إن المجتمع السوري لزمته حرب دموية طردت خمس ملايين خارج حدود سورية، وست ملايين شردتهم داخلها، لكي يصبح “أكثر صحة وتجانسا”؛ هل فعلا تعي ما تقول “يا رئيس العالم”؟

هل هذا انتقاء من كلام بشار؟ لنرى ماذا قال عن الطائفية: “ … لأن البعد الطائفي كان موجوداً في النفوس قبل الحرب كالنار تحت الرماد ولكن إلى حد معين“. إذا رأس نظام الأسد يعترف أخيرا بوجود مشكلة طائفية بعد سبع وأربعين سنة من حكمه وأبيه؛ لكن اختلال المنطق في ذهنه قاده للتصريح بما هو أخطر، فقد تابع يقول: “ربما لو انتظرنا سنوات وتغلغل هذا البعد أكثر في نفوس السوريين واندلعت هذه الحرب ربما كنا رأينا واقعاً مختلفاً أخطر بكثير…“؛ ماذا يعني هذا الكلام؟ لننسى حكم الأب، الابن حكم 10 سنين، وكان يرى المشكلة الطائفية، ويعلم أنها “نار تحت الرماد”، لكنه فشل في فعل أي شيء يحمي البلد من اشتعالها، بل إنه يرى أن المشكلة كانت تزداد استعارا بسرعة، لأنه يعتقد أن ما حصل منذ 2011 قد خفف من نتائجها كثيرا، مقارنة بما كان سيحصل لو اندلعت الأزمة فرضا في 2015؛ على ما يبدو أنه متأكد أن لا وسيلة كانت أمامه لإخماد المشكلة الطائفية.

قد يقول قائل من مريديه “إنها مؤامرة كونية شيطانية، وقد أخذوه على حين غرة وهو يحاول أن يصلح بتؤدة”؛ حسنا يا أخانا السوري المريد لبشار، لقد قال بشار قبل ذلك، أنه كان حاذقا قبيل غزو الولايات المتحدة للعراق في العام 2002، وقد رأى ببعد نظره أي مؤامرة تقسيمية طائفية تحاك للعراق فقال: “عندما أخذنا موقفاً من حرب العراق في عام 2002 لم يكن فقط مجرد موقفاً مبدئياً ضد الغزو، هذا كان أحد الجوانب؛ ولكن الجانب الأخطر هو ما كان يحضر للعراق في ذلك الوقت من طروحات طائفية وفدرالية نراها اليوم نفسها في سورية“، فماذا كان يفعل طوال ثماني سنوات، وهو يرى أمامه نموذجا كاملا لتلك المؤامرة المزعومة، وكيف سارت وحُبكت ونُفذت، بالواقع هو قال أنه رأى تلك المؤامرة منذ العام 1980 مع حرب العراق وإيران، فإن لم يتعلم، حسب زعمه مما رآه بأم عينيه وعيني أبيه، فماذا يلزمه ليتعلم كيف يحمي بلدا كان يحكمها حكما مطلقا بلا منازع؟

يقول علم النفس أن بعض الأفراد العدوانيين القلقين داخليا، يمارسون عملية الإسقاط النفسي Psychological projection، بأن ينسبوا صفاتهم السلبية إلى الآخرين، ويطورون هذا الإسقاط لدرجة العدوانية. وعلى ما يبدو أن هذا من مبررات هذا الهجوم الذي شنّه رأس النظام السوري على الغرب، فقد قال الكثير في شيطنة الغرب بما يلخصه مقولتيه “الغرب اليوم يعيش حالة هيستيريا” و”حماقة الغرب هذه ليست جديدة.

 إذا الغرب من وجهة نظر بشار يعاني من الهيستريا والحماقة، لكن بنفس الوقت فإن هذا الغرب “المهستِر الأحمق” أيضا حاك مؤامرة بدأت من 1980، في حرب العراق وإيران، ثم حقق ما أراده في العراق، حسب زعم بشار، من تقسيم وتطييف، وكان يطور مؤامرته ضد سورية، وأوصلها لما هي فيه الآن؛ بل إن هذا الغرب حسب أدبيات بعث الأسد وأبيه حافظ، هو الذي حاك مؤامرة إسرائيل منذ القرن التاسع عشر، وفرق العرب، وزرع زعامات عربية خائنة، وما زال يمتص دم العرب؛ وأيضا وحسب قول بشار فإن هذا الغرب يملك آخر ما توصل له العلم، وأنا أضيف حقيقة كون هذا الغرب ما زال أقوى قوة اقتصادية وعسكرية بالعالم؛ مع كل ذلك وبكل هذا التخطيط المستمر على الأقل من 150 عاما، فإن هذا الغرب مصاب بالهستيريا والحماقة. بربك يا رجل، يا رئيس الكون، استقر على رأي، إما أن الغرب “مهستر أحمق” فهو أعجز عن أن يخطط للعالم كله ويبقى الأقوى والأغنى، أو أنه “أفعى تبدل جلدها“، حسب تعبيرك، لكنها ماكرة جدا وتعرف كيف تتحكم بالعالم.

أثناء استماعي لكلمة بشار الكيماوي، وعند وصوله لجملة “عندما نقول مشروع غربي فجوهر المشروع الغربي“، توقعت لا إراديا، من باب حسن الحظ بذكاء معقول عند المتكلم، أنه سيردد أسطوانة إسرائيل والمؤامرة الصهيونية الإمبريالية، لكن والحق يُقال خاب حسن ظني، فبشار يرى أن جوهر مشروع الغرب، في المنطقة العربية “هو أن يحكم الإخوان المسلمون هذه المنطقة“! سبع سنين ولم يصارح بشار السوريين بأن جوهر هستيريا مشروع الغرب الأحمق هو نصرة الإخوان المسلمين، والآن بعد كل هذا الدم، يقول الحقيقة للناس، فليس معقولا أنه لم يكن واعيا لها منذ عقود، وهو صاحب المنهج المنطقي الصوري، فهل أخفى هذه الحقيقة الساطعة عن مريديه شفقة ألا يستطيعوا حمل هذا السرّ، أم عدم ثقة؟ لنناقش جديا، ضمن فرضية المؤامرة الكونية الأسدية، مقولة بشار هذه.

 هذا الغرب الذي دمر العرب منذ على الأقل 150 سنة بمؤامراته، يريد أن يحكم الإخوان المسلمون هذه المنطقة. فالسؤال المنطقي: ما الذي سيقدمه الإخوان مما لم يستطع تقديمه حكام العرب منذ 100 سنة لليوم؟ هل كان مبارك مثلا، الذي وصل على أشلاء حكمه الإخوان لحكم مصر، قائدا ممانعا يخيف الغرب وإسرائيلهم؟ أم هو المشير السيسي القائد الممانع؟ أم هم آل سعود الذين أعلنوا حربهم على الإخوان بكل وضوح؟ هل هذا يعني أن نظام بشار يقف في نفس الخندق مع حكام السعودية ومصر مثلا؟ والسؤال الثاني: لماذا هذا الغرب يقف هذه المواقف المتصادمة مع أكبر داعم للإخوان وهو الحكومة التركية؟ التي اضطرت لتجرع السم، بالنسبة لها، والعودة لمصالحة الكرملين وعناق أردوغان لبوتين؛ ولماذا هذا الغرب يقف أميّل للسعودية في صراعها مع قطر، وقطر هي أكبر ممول للإخوان المسلمين؟ أم أن بشار الأسد لديه معلومات سرية كالعادة، وهي أن الغرب يمارس ألعابا إعلامية مسرحية، ويبني مجسمات خادعة، وبالواقع هو يدعم أردوغان من تحت لتحت؟ أعتقد أن أحدهم أقنع بشارا أن خطابه سيلقى اهتماما غربيا إعلاميا، والأذكى هو أن يستثير الشارع الغربي، بأن يخبره أن حكوماته تدعم الإخوان المسلمين، فيستميل هذا الشارع المصاب بالإسلاموفوبيا، أما السوريون والديبلوماسيون المستمعون له، فمن يجرؤ أن يفكر ويحلل.

لنعد لجوهر هذا المؤتمر، “الرئيس” يريد منح ديبلوماسيي بلده نصائحه، وخلاصة خبراته المتراكمة، وأهم نصائحه كانت “لنتوجه شرقا”.

بما أن بشارا اكتشف أن التوجه شرقا يكفي سورية، لأنها بلد نام، فليسأل حليفه نظام إيران، أي انتعاش اقتصادي وفرح حصل معه يوم رفع الغرب جزءا من الحصار عليه، وليسأله هل كفاه الشرق حاجة الغرب؟ والأهم ليسأل الصين أكبر الكبار في الشرق، هل تجرؤ الصين أن تفكر بالانصراف حتى لو جزئيا عن الغرب؟ ومرة أخرى، طالما أن بشار بهذا الوعي والرؤية العميقة، لماذا لم يؤسس للانصراف إلى الشرق منذ عشر سنين مثلا، من يوم اكتشف مؤامرة الغرب على العراق؟

هل هذا يعني أن الإدارة الأميركية والحكومات الغربية لم تستغل المأساة السورية؟ أو أن الإخوان المسلمين لا يحملون مسؤولية عن تدمير الثورة من داخلها؟ بالطبع لا. أولئك لعبوا لمصالحهم مثلما فعلت كل الحكومات الإقليمية والدولية، والقيادات الإخوانية لعبت بانتهازية للسيطرة على الثورة؛ لكن يوم يكون رئيس نظام بهذا الاهتزاز العقلي والرؤية القاصرة والهوس بالسلطة، فيجب أن نضع المسؤوليات حسب وزنها وأثرها.

قرأت سؤالا تردد على الإنترنت اليوم: لماذا هذه المرة لم يذكر السعودية وقطر والخليج أبدا؟ ولماذا ذكر إسرائيل مرة واحدة؟ شخصيا لا أستطيع أن أبني على ذلك أي استنتاج، فمن لا يستطيع الحفاظ على انسجام كلامه، ووحدة أفكاره في حديث لمدة ساعة واحدة، لا يمكن بناء أي استنتاج مهم على كلامه.

 

 

الاتحاد برس