Fri. Apr 26th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

مآسي المصريين، ببلايين الدولارات أم بملائكة وبشياطين

30/07/2013

علاء الدين الخطيب

يتزايد الوضع السوري تعقيدا وتشابكا ويبدو كنفق بلا نهاية، بنفس الوقت تصاعد تعقيد الوضع المصري الذي ظهر قبل شهرين وكأنه يسير بنفق لكن مع ضوء بالنهاية. من يدفع ثمن هذه التعقيدات؟ بكل الحالات هم الناس العاديون من فقراء ومتوسطي الحال وهم الغالبية المطلقة. بشر يملكون كل مواصفات الإنسان الطيب الخيّر المحب لكنهم للأسف مثل كل شعوب الأرض مقادون بردة الفعل على أفعال تمثل تفاصيل غير مهمة ضمن عواصف الصراع العالمي، والأداة الأهم في خداع هؤلاء الناس واستهلاك دمهم وكرامتهم وحتى آلهتهم تتم بسوق إعلامي يمثل السلاح الأكثر فتكا في عصرنا الحالي. في هذا المقال ننظر للأرقام والدولارات في الحالة المصرية لأن من لا يضع في ذهنه هذه الأرقام لم ولن يستطيع التقدم بأي فهم عميق وحل صحيح لمأساة الإنسان في مصر وهذه المنطقة. لا نريد أن نخوض بالتفاصيل الإقتصادية التي قد تسبب الملل لغير المتخصص، لكن فهم هذه الأرقام هو الذي يمكن أن يعطي الأسباب الحقيقية خلف ما تعانيه الشعوب. فتفسيرات الآلهة والقبائل والأحقاد والقوميات قد ثبت فشلها في تفسير التاريخ ومن الخطأ الجسيم متابعة تجييش الناس وفق معبدهم أو قبيلتهم أو قوميتهم أو زعيمهم أو جماعتهم.

royal

قبل الثورة المصرية 2011 وصل الناتج المحلي الإجمالي المصري إلى 450  بليون دولار بعام 2010 حسب معادل القوة الشرائية. لندرك معنى هذا الرقم نذكر ان حصة الفرد المصري من هذا الناتج هي 5500 دولار أي أنها أعلى من حصة السوري (4700 دولار) والمغربي (4300 دولار) واقل بأربع مرات من السعودي (20400 دولار) وأقل بخمس مرات من الإتحاد الأوروبي (27700 دولار).

هل فعلا ما يُشاع أن قطر “دعمت” والسعودية والإمارات “مانعت” حكم الإخوان بمصر؟ لنرى الأرقام. بعد وصول محمد مرسي للسلطة قدمت قطر 5 بلايين دولار  لمصر، وتعهدت بأبريل 2013 بتقديم دين منخفض الفائدة بقيمة 3 بلايين دولار. السعودية أعلنت عن 4 بلايين دولار كمساعدة لمصر في منتصف 2011 وصل منها 1.75 بليون دولار على شكل ودائع بديسمبر 2012. بنفس الوقت أعلنت تركيا عن قرض لمصر بقيمة 2 بليون دولار في سبتمبر 2012. الإمارات العربية المتحدة تعهدت بتقديم مساعدة 3 بلايين دولار. وحتى ليبيا دفعت بليوني دولار للحكومة المصرية. ولنستطيع الإحساس بهذه الأرقام وقيمتها بالنسبة لكل دولة نذكر أن الناتج المحلي الإجمالي السعودي في 2010 كان  560 بليون دولار وحصة الفرد 20400 دولار، ناتج الإمارات 318 بليون دولار وحصة الفرد 42400 دولار، ناتج قطر 136 بليون دولار وحصة الفرد 77000 دولار.

هل الإستثمارات بحد ذاتها هي الإنقاذ للبلد أم تحتاج لسياسة إدراية وطنية واعية صالحة؟ كما ذكرنا فالإنتاج المحلي المصري لا ينسجم مع كمية الفقر الهائل في مصر، لأن الثروات الطبيعية والإستثمارات لا تعني بالضرورة تحقيق الحد الأدنى من العدل الإجتماعي. فهذا الأخير تابع لصلاح الإدارة وهذا تابع لعلمية الهيكلية الإدارية وقوة القانون والرقابة ولا يمكن لدولة واعية أن ترهن هذا الصلاح بالحكم لأخلاقية الأفراد وبالتالي تخاطر بمستقبلها بمقدار تباين أخلاقيات البشر. قبل الثورة بلغت الإستثمارات السعودية في مصر 12 بليون دولار والإستثمارات الإماراتية حوالي 5 بلايين دولار بينما كانت القطرية لا تتجاوز 250 مليون دولار. بعد الثورة وقدوم الإخوان المسلمين أعلنت قطر عن مشاريع لاستثمار 18 بليون دولار في مصر (تقريبا بقيمة استثمارات السعودية والإمارات).

من ناحية ثانية فإن أكبر المستوردين للبضائع المصرية في 2008 كانوا بالترتيب حسب النسبة: إيطاليا، الولايات المتحدة، الهند، إسبانيا، سورية، السعودية، اليابان، ألمانية. وأكبر الموردين لمصر بنفس العام كانوا بالترتيب حسب النسبة: الولايات المتحدة، الصين، إيطاليا، ألمانية، السعودية. وهنا نتكلم عن30 بليون دولار تصدير من مصر و57 بليون دولار استيرادات لمصر. ويعمل في السعودية حوالي 1.8 مليون مصري وهو ما لا طاقة لكل دول الخليج الأخرى استيعابه.

ما هو ملاحظ بالتاريخ القريب، أن مصر مبارك كانت على علاقات باردة مع قطر خاصة بعد انقلاب الأمير حمد بن خليفة آل ثاني على والده في عام 1996 واستضافة مبارك له. لكن بذلك الوقت لم تكن قطر تمثل وزنا إقليميا مهما من الناحية الإقتصادية. وقد استمرت برودة العلاقات بعد إقلاع الجزيرة التي لم توفر النظام المصري السابق من النقد القاسي. فكانت أول زيارة لمبارك لقطر في نهاية 2010 قبيل الثورة بشهور. كذلك فإن علاقة قطر بالإمارات والسعودية لم تكن تمر بأفضل حالاتها وكلنا يذكر الصراعات التي كانت تستعر بين الجزيرة والعربية اللتان تعتبران أهم مؤشرين على العلاقة السعودية القطرية.

نعود سريعا للإخوان المسلمين. من المعروف تاريخيا، أن ملجأ الإخوان الآمن كان السعودية يوم طاردهم عبد الناصر في مصر ثم حافظ الأسد في سورية ومن السعودية لم يتوقف عملهم التنظيمي بل بالعكس ازداد غنى مع التقارب مع أثرياء السعودية. ورغم الخلافات النظرية بين منهج الإخوان حسب أصوله مع حسن البنا ومنهج الإسلام الوهابي إلا أن هذا الخلاف تفاعل في السعودية بسبب رغبة الحكومة بتحرير طبقة رجال الدين الوهابيين من التصلب العقائدي ولا ننسى “نضال” الملك عبد العزيز لتمرير فكرة استخدام التلغراف في السعودية أمام شيوخ الوهابية. فالمنفعة بين الطرفين كانت متبادلة. لكن بعد ظهور الجزيرة وسيطرتها على الفضاء الإعلامي العربي والتغيير الجذري بنهجها المحكوم بمدرسة القرضاوي وإدراتها الإخوانية الهوى، يبدو أن الحكومة القطرية استطاعت شد حبل قادات الإخوان المسلمين باتجاهها أكثر.

إذا من الواضح أن الإشكالية المصرية ذات بعد إقتصادي أساسي ضمن المحيط الإقليمي عدا عن الثقل الجيوسياسي لمصر في المنطقة والعالم. وأن حكومات السعودية والإمارات وقطر وحكام مصر تصرفوا وفق مصالح مادية واضحة وحمل مرهق من تاريخ نصف قرن. القطريون تقدموا بجرأة لحكومة مرسي لأنها برأيهم وبعد ضم تنظيم الإخوان لجناحهم تستحق الرهان والدعم. وهم بكل الأحوال لن يخسروا الكثير فاستثماراتهم القائمة لا تذكر في مصر، وبالتالي خسران الرهان لا يقابله خسارة مادية هائلة. بينما راعى السعوديون والإماراتيون الحذر لأن حجم استثماراتهم الهائل بمصر قد يصبح في مهب الريح ضمن أي خطوة خاطئة فقدموا المساعدات بهدوء وحذر لحكومة مرسي ريثما تتضح الأمور أكثر ووتترسخ قوة الدولة المصرية على الأقل داخليا. بنفس الوقت فعلى ما يبدو أن الإخوان ورغم تحالفهم الطويل مع الحكومة السعودية كانوا يعيشون حالة احتماء بقوي يريدون التحرر منه بسرعة وقد توفرت هذه الفرصة مع قطر وتركيا وحتى إيران التي دشن معها مرسي فاتحة تحالف جديد. طبعا ضمن هذه المعمعة من الأموال والمصالح والذكريات يبقى الدور الأمريكي ذو شأن عظيم في مصر خاصة مع انضمام حزنه على الإخوان للقطريين فمن خلال مركزة التيار الإخواني في تركيا والعمل معه في مصر وسورية وتونس كان يمكن للامريكيين أن يمضوا برحلة آمنة لوسط آسيا هدفهم الأهم خلال العقدين القادمين.

السؤال الآن. هل من المعقول أن نفسر ونفهم ما يجري بمصر وبالتالي في سورية وكامل المنطقة بأنه ببساطة صراع الخير والشر، سواء وضعنا الخير في كفي مرسي أو كتفي السيسي؟ هل هو فعلا “خناقة” بين الأمير حمد والملك عبد الله أيهما يتدثر بالعقال الأجمل؟ إن الاكتفاء بسماع الأخبار المبثوثة سواء من الجزيرة ونقيضها العربية اللتان تصوغان الخبر ككل الإعلام على ميزان الخير والشر لا يمكن ان يؤدي لموقف صحيح وفهم لحقيقة ما يجري بمصر وكذا بسورية. إن سعادة الحكومة السعودية بعزل مرسي ليس لأنها تخاف أو تكره الإخوان فدولة تمتلك 637 بليون دولار كثروة سيادية لن تتعامل مع أكبر جار لها وفق مزاجيات أو هوى الفقهاء. وحزن حكومة قطر وهي ثالث أغنى دولة بمعدل حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم     والدولة العربية الأقرب بعلاقاتها لإسرائيل وإيران في نفس الوقت لن تتعامل بحجمها الصغير ضمن دوامات الدول العملاقة حولها مع أكبر بلد عربي وفق فتوى من الشيخ القرضاوي بأن “الإخوان” هم الأكثر “إيمانا وتقى” من غيرهم. إن خروج العقل العربي من مربع نقاشات الغيبيات والنوايا وماذا يريده الله في خلقه ضمن تفسيرات الغليان المتصاعد لهذه المنطقة ضرورة أساسية لانبعاث الربيع.

المراجع:

International Energy Agency IEA database 2012

http://www.policymic.com/articles/53127/mohamed-morsi-coup-was-that-a-coup-d-etat-is-obama-s-1-5-billion-question

http://www.enduringamerica.com/home/2013/3/11/egypt-and-beyond-live-coverage-qatar-says-no-more-aid-to-cai.html

http://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21574533-unless-president-muhammad-morsi-broadens-his-government-egypts-economy-looks

http://www.mepc.org/articles-commentary/commentary/egypts-economy-looks-2013

http://weekly.ahram.org.eg/2012/1082/sc142.htm