Fri. Apr 26th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

يوم مات حافظ الأسد، الإنذار الأول بالزلزال الطائفي

 

 

 

علاء الدين الخطيب                                                    24/03/2014

 

 

 

لا أحسب أي سوريٍ تجاوز عمره 25 سنة الآن لا يذكر يوم 10 حزيران من عام 2000. إنه يوم مات حافظ الأسد بعد 30 سنة من حكم سوريا، أو  كما قال رياض الترك “مات الديكتاتور” ودفع ثمن هذه العبارة سنين إضافية بالمعتقل بعد 18 سنة بزنرانته الإنفرادية، أو كما قال مروان شيخو في خطاب التشييع أمام جثة حافظ الأسد “لماذا لا تتكلم… أنت تسمعني الآن“. لسنا هنا الآن بصدد مناقشة هل كان ديكتاتورا مستبدا ظالما دمويا أم قائدا قوميا مناضلا حاميا لسوريا وفلسطين والعرب. أريد تذكّر هذا الحدث الأضخم في تاريخ سوريا منذ 30 سنة من ناحية أهملها الكثيرون من المؤرخين والمحللين بل حتى أهملتها ذاكرة الشعب السوري رغم دلالتها الضخمة وما أخفته خلفها من كوارث على سوريا تظهر الآن بعد ما يزيد عن عشر سنين من وفاة أبي بشار الأسد.

 

clip_image003

 

يوم أعلن رسميا عن وفاة حافظ الأسد ساد الشارع السوري مشاعر متناقضة متلاطمة، نقول بدون مبالغة كأمواج بحر هائج. مشاعر تناقضت ما بين حزن عميق وما بين فرح كبير، ما بين أسى كبير وما بين شماتة وتشفي. لكن ضمن هذا الطيف الهائل من المشاعر المتباينة بين أفراد الشعب السوري ساد الجميع شعور هائل بالصدمة والخوف. الصدمة والخوف من القادم وحدت الشعب السوري في موقفه من وفاة “حاكم سوريا المطلق خلال 30 سنة”. كان الخوف ناتج عن معرclip_image005فة -واعية أو غير واعية- أن البنية السلطوية المالية العسكرية الأمنية التي تركها حافظ الأسد خلفه هي بنية لا يمكن التحكم بها إلا من خلال شخص واحد، وقد كان هو هذا الشخص الطوطم لثلاث عقود مضت. وروى الجيل الأعمر بذلك الوقت للشباب الصغير كيف كادت دمشق أن تحترق يوم اختلف حافظ مع رفعت الأسد بالثمانينات وكيف تحرك الجيش والمدافع والدبابات حول دمشق. وفي 10 حزيران 2000 كانت نفس المدافع والدبابات قد تحركت حول دمشق والمدن الكبرى في سوريا.

 

ضمن هذا الخوف من المجهول بين رجالات سلطة حديدية لكل منهم قوته وأصدقاؤه وأعداؤه ضمن نفس هرم السلطة، تحرك خوف غير مفاجيء. انتشر خوف بين العلويين من انتقام ما سيطالهم بعد أن مات جلادهم الذي أقنعهم بنفس الوقت أنه حاميهم. كان خوفا غريزيا طبيعيا نشأ لعدة أسباب أهمها سببان رئيسان:

 

1-    تاريخيا، وخلال القرون السابقة تحت الاحتلال العثماني الظلامي لسوريا الذي طبق كل أشكال الظلم الديكتاتوري الفاسد ضد السوريين مثل غيرهم من شعوب السلطنة بمن فيهم عامة العثمانيين أنفسهم، نال الطائفة العلوية حظ مضاعف من الظلم والاضطهاد، يعود بشكل أساسي للمرارة العثمانية من حروب اسماعيل الصفوي ضد السلطنةالعثمانية في القرن 17. وبما أن العلويين محسوبون على الشيعة فقد نالهم الانتقام أكثر من غيرهم وكذلك الاسماعيليون. وما زالت ذاكرة العلويين مليئة بذكريات وقصص “خوازيق” السلطان عبد الحميد المخصصة للعلويين فقط. هذه الذاكرة لم يمكن محيَها بسهولة من الذاكرة الجماعية العلوية وبقي الخوف من الآخر مستترا في ثنايا العقل الباطن. نفس الخطايا التاريخية التي أصابت كثيرا من الشعوب التي لا تعالج جراح الماضي بوعي التاريخ ونقده.

 

2-    السبب الثاني هو سياسة حافظ الأسد بما يمثله من مؤسسة سلطوية تحت مسمى حزب البعث العربي الإشتراكي. هذه السياسة اتبعت الأسس التقليدية والصحيحة لضمان استمرار السلطة الشمولية والتي تتلخص بمبدأ “فرق تسد”، وسنتابع ببقية الكلام هذه النقطة.

 

هذه السياسة بدأت أولا بمحاربة كل ما أنتجته فترة النهضة الثقافية والوطنية التي شهدتها سوريا منذ الأربعينات إلى الخمسينات تحت شعارات “محاربة الفكر البرجوازي الرأسمالي الإمبريالي الغربي”. فمن يقرأ تاريخ سوريا بعناية منذ القرن العشرين إلى أواسط الستينات يُصاب بالذهول لدرجة تعمق مباديء نبذ التمييز الطائفي والقومي في بلد كان يُعد متخلفا مقارنة بقمة الحضارة والقوة في أوروبة والتي كانت للتوِ قد دفعت 60 مليون ضحية تحت شعارات التمييز العنصري والأيدلوجي.

 

تعود قوة مباديء التسامح الإنساني الوطني أساسا في سوريا إلى العوامل الأساسية التالية:

 

clip_image001[8]    لما يمكن أن نسميه قانون الجغرافيا الذي فرض على السوريين تقبل الآخر منذ 10000 سنة، فلم تشهد أرض صغيرة بالعالم ما شهدته أرض سوريا من اختلاط بشري بفعل التجارة أو الهجرة أو الحروب.

 

clip_image001[9]    التراث الديني المسيحي والإسلامي الغالب منذ 2000 سنة والمبنى على نظرة مسيحية متسامحة مع الآخر، ونظرة إسلامية أشعرية تقوم على حرية العقيدة تعتمد على حرية التسامي الروحي للإنسان وصولا لله وليس كالنظرة الإسلامية السلفية التيْماوية (نسبة لابن تيمية) القائمة على خطوط سلوكية ظاهرية حادة غير متسامحة.  

 

clip_image001[10]    استمرار القيم التقليدية القديمة الناشئة عن آلاف السنين من الحكم الشمولي والتي تمنح المتعلم والغني مكانة اجتماعية عليا قيمية. وبما أن غالبية من نخبة النصف الأول من القرن العشرين كانوا قد نهلوا من ثقافة غربية ثائرة بمباديء حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية فقد كان تأثير هذا النخبة عظيما في الشارع السوري والمصري خصوصا.

 

إن ورطة “المنهج التعميمي” التي سيطرت على اسلوب الامبراطوريات القديمة وانتقلت للأحزاب القومية العربية والإسلامية قادت البعث بحرب السلطة لمحاربة كل ما أنتجته البرجوازية السورية الوطنية دون تمييز. وفيما بعد استنتجت مؤسسة حافظ الأسد أن هذه الحرب ضد كل موروث الخمسينات أصبح سلاحا فعالا في ضمان استمرار السلطة.

 

قامت  جماعة الإخوان المسلمين في بداية الثمانينات بمحاولة انقلاب مسلح ضد السلطة مستغلة حراكا نخبويا سياسيا سلميا بذلك الوقت قاده عدد من المعارضين لطلب المباشرة بالإصلاحات الديمقراطية والإدراية. فكان الرد الدموي المتطرف القسوة الذي قابلها به حافظ الأسد وأخوه رفعت، وبنتجيتها وأيضا بسبب تمرد رفعت الأسد ترسخت لدى “القائد للأبد” أهمية خلق الشروخ في هرم السلطة وفي الشارع.

 

معروف لكل السوريين مدى الكراهية والتصارع بين رجالات حافظ الأسد لكن أيضا معروف لديهم مدى انصياعهم لسلطانه كقاض نهائي بينهم، هم مدركون رغم صراعهم أن ضمان امتيازاتهم هو وحدتهم بأعلى مستوى السلطة وهذا ما يضمنه الولاء الأعمى لرأس الهرم. فكل قائد فرع مخابراتي ولكي يضمن استمرار “مصدر سلطته غناه” يسعى للظهور أمام “القائد” على حساب أقرانه، وخلال الصراع على رضى “القائد” يصل الاحتكاك لسلطات ضباط الجيش الكبار وكبار المسوؤلين الحكوميين والبعثيين، ومع كل صاحب مركز (كما يسميه السوريون “مسؤول”) هناك مجموعة من أصحاب الأموال المسيطرون على السوق والمتصارعون أيضا على السوق. باختصار وبعد تحييد رفعت الأسد كان من المستحيل القول بوجود “الرجل رقم اثنين” بهرم السلطة السورية، كان هناك مجموعة رجالات عسكريين وأمنيين وحكوميين وتجار يشكلون معا المستوى الثاني من السلطة وبالتالي يستحيل على أي فرد أو أفراد منهم مواجهة الباقي وبالتالي تهديد السلطة المطلقة لحافظ الأسد.

 

clip_image007

 

التصارع في قمة الهرم السلطوي السابق الذكر انتقل للشارع على شكل مقاطعات تابعة لأقطاب المستوى الثاني من السلطة عبر مستويات أدنى فأدني. مقاطعات تبدأ جغرافية من مسقط رأس المسؤول وتمتد للمؤسسة التي يحكمها. فسكان القرية أو الحي الذي ينتمي له هذا المسؤول محميون من قبله طبعا ما دون الخط الأحمر المقدس سلطويا. وهذه الحماية تتفرع وتتمدد بحكم العلاقات العائلية والتجاورية وتصبح أيضا مصدر رزق للبعض. فمن المحتم على كل سوري أن يسعى لواسطة تضمن له خدمة عسكرية مريحة أو وظيفة مستقرة أو رخصة لدكان خضار أو ترخيصا لبناء… إلخ. بنفس الوقت لم يمنح هؤلاء المسؤولين بدءا من المستوى العاشر صعودا الى قمة هرم السلطة حماية مطلقة للناس المريدين أو غنى مادي مميز، فقد لا يعرف كثير من السوريين أن غالبية من سكان القرداحة التي يعتقدونها محظية ومدللة النظام هم من فقراء القوم المنهكون بحياة يومية قاسية مثل باقي السوريين. بقيَ أن نشير إلى أن بعض المناطق مثل ريف إدلب وحلب والجزيرة وبسبب تركيبتها القبلية فإن النظام لم يحرص على تمييز هذه المناطق من حيث توزيع بعض المزايا السلطوية بل اعتمد على دعم الزعماء القبليين والعشائريين أكثر.

 

clip_image009

 

هذه البنية العنكبوتية للسلطة السورية وبوجود تراث شعبي قديم مليء بقصص الأديان والطوائف والقبائل والتفسيرات الغيبية للحياة، وأيضا ميل البشر عموما إلى منهجية التعميم، ودور المخابرات في خلق الإشاعات والحكايا والقصص، كل هذه العوامل تضافرت لنسج قصة خيالية عن بنية السلطة والدولة السورية. نقول خيالية بإصرار لإنها قامت على أسس غير علمية وغير واقعية، بل حتى أن هذه التفسيرات الخيالية طالت جزءا كبير من النخبة الثقافية السورية. فمن العادي أن تسمع سوريا، حتى لو كان دكتورا بالعلوم الاجتماعية، يقول ان 90% من ضباط الجيش والامن علويين، وأن 50% من الجيش السوري علويين، و80% من المسؤولين السوريين علويين، وأن 50% من وظائف الحكومة للعلويين. ببساطة لو قمت بعملية حسابية بسيطة آخذا بالاعتبار الحقيقة الواضحة أن العلويين لا يتجاوزن ال12% من سكان سوريا لوجدت أن هذه المقولات تحلق بفضاء الأساطير. هذه الإشاعات رضيَها النظام وشجعها وحرص عليها، والدليل الواضح على ذلك أنه منع تحت العقوبات الاقسى الكلام حول الفكر والمنهج الطائفي حتى من باب معالجة مشكلة أساسية في المجتمع السوري.

 

العامل الأهم الذي رسخ هذه المرويات الشعبية حول الطوائف هو أن حافظ الأسد قرر منح رجاله العلويين امتيازاتهم السلطوية ضمن قطاع الأمن والجيش أكثر من قطاع الإدارة الحكومية أو قطاع الرأسماليين السوريين. هذا القرار ليس كما يعتقد الكثيرون بسبب ثقة حافظ بطائفته وحبه لها، بالعكس تماما. هذا القرار مبنيّ على أسس ثلاثة:

 

1- البنية التاريخية الطبيعية لسوريا أدت بعد الاستقلال لإقبال الأقليات الطائفية والقومية على الخدمة العسكرية. فبنية المجتمع السوري تاريخيا منحت السنة والعرب بسبب كونهم الأكثرية غالبية طبقة التجار والأغنياء والإداريين الحكوميين. وهذه ظاهرة طبيعية بكل المجتمعات البشرية، فمثلا تبلغ نسبة السود والملونين في الجيش الامريكي ضعف نسبتهم بين الشعب الأمريكي.

 

2- أكبر معارضين لحافظ الأسد منذ بداية الستينات ومن شكلوا خطرا حقيقيا على سلطته وحياته كانوا من الطائفة العلوية كأفراد مثل صلاح جديد ورفعت الأسد أو كأحزاب مثل الحزب الشيوعي والقومي السوري. الخطر الوحيد المباشر الذي واجه حافظ الأسد من السُّنة كان تمرد الإخوان المسلمين المسلح بالثمانينات والذي كان مع ذلك يعتمد فئة محدودة جدا من السُّنة لم يدعمها لا تجار دمشق ولا حلب ولا حتى حماة، ولا ننسى أنه بعد العقاب الدموي لحماة وحلب ببداية الثمانينات بسبب الإخوان، كان العقاب الثاني للعلويين سكان الساحل الذي تسلط عليهم “شبيحة عائلة الأسد” إلى النصف الأول من التسعينات. لقد استنتج حافظ الأسد أن أفضل طريقة للسيطرة على العلويين والدروز والاسماعيليين هي بفرض العسكرة عليهم من خلال منح أفراد قلة منهم ميزات السلطة العسكرية والأمنية. بالمحصلة النهائية وجود ضابط أمن أو جيش ذو قيمة ضمن أي تجمع علوي سيؤدي بسبب ما نسميه شعبيا “حكي القهاوي” لوصول خبر أي تحركات سياسية ضد النظام لآذان مخابراته. إن أفضل طريقة لحكم أي مجموعة بشرية هي عسكرتها.

 

أضف لذلك وبما أن العسكري أو الأمني هو الأكثر جلبة وضوضاء في حركته وبما أن كل ذكر سوري مجبر عموما على الخدمة العسكرية، وبالتالي هو بحاجة للواسطة. فإن ما ظهر على السطح من قصص ومرويات شعبية متناقلة تمحور حول السلطة العسكرية والأمنية وبالتالي ساهم ذلك بزيادة قوة اسطورة أن العلويين يحكمون البلد. فغالبية السوريين يعرفون من هو رئيس إدارة الضباط ومن هو قائد الفرقة الأولى أو العاشرة، ومن هو رئيس الفرع الأمني. لكن من منهم يعرف من هم المتحكمون بتجارة السكر والرز والزيت والمحارم الورقية ومن هم المسؤولون عن الشبكة الكهربائية أو المائية…الخ. في مجتمع دولة بحالة حرب يشكل العسكر والأمن الحالة الأكثر ضجيجا وشهرة بنظامهم البسيط الواضح “ضابط قائد، فضابط أدنى، فضابط أدنى، فصف ضابط، فمجند”، من بنية شديدة التعقيد مثل بنية النظام الاقتصادي والإداري للدولة.

 

3- منح حافظ الأسد امتيازات كبيرة لرؤساء الطوائف الدينية والقبائل بسورية، فرقم تلفونه الخاص الذي لا يعرفه بعض الوزراء وكبار الضباط كان ميزة لأولئك الزعماء. لو نظرنا لمثال بسيط: خناقة في حارة بين عائلتين أو بين سكان قرية وجوارها، نجد الناس تتناول القصة إن كان الخلاف بين طرفين متشابهين دينيا وقبليا على أنها “تهور وقلة عقل وعيب كبير”، لكن إن كان الطرفان من طائفتين مختلفتين فإن الإضافة المثيرة لرواية القصة هي أن “العائلة المسيحية أو الدرزية أو…”. وهنا لو تطورت “الخناقة أو النزاع” لما هو اكبر يلجأ الزعيم الديني او القبلي للرئيس مباشرة. باختصار لقد أجبر نظام السلطة السورية السوريين على أن يحتموا شاؤوا أم أبوا بطائفتهم من خلال المسؤولين فيها أو بشكل أوضح من خلال زعمائهم الدينيين والقبليين. من ناحية ثانية وبما يخص السنة، وبعد تجربة الإخوان المريرة قرر حافظ الأسد التوجه وديا وبقوة نحو رجال الدين السنة بسورية، لكن التقليديين منهم وهم الأميل عقائديا إلى المذهب الأشعري والتصوف وبالتالي كرههم للسياسة والسلطة واعتقادهم بمبدأ ضرورة إطاعة ولي الأمر. هذا التوجه كان واضحا من توسع هائل في بناء المدارس الإسلامية والمساجد لدرجة نالت من حقوق الطوائف الأخرى (كل السوريين يعرفون قصة “مسجد المجاكرة” في حلب الذي تم بناءه فقط ليغطي على كنيسة كبيرة في منطقة بحلب ذات غالبية مسيحية). هذا التوجه أيضا تلاقى مع التحسن المطرد بعلاقات حافظ بحكام الخليج العربي بعد حرب العراق الأولى. بالواقع ما يشاع أن حافظ الأسد حارب سنة سورية عقائديا هو مجرد فلاشات إعلامية تحريضية استخدمها الإسلام السياسي.

 

نعود الآن إلى العاشر من حزيران عام 2000 آخذين بعين الاعتبار ما ناقشناه بالمقال سابقا. مات القابض بيده الحديدية على الدولة والنظام السوري بكل تفاصيلهم، وهرم السلطة يحمل الكثير من بذور الخلاف والتقاتل، فتشارك الشعب السوري الخوف من حرب كبار رجال السلطة.

 

الظاهرة المهمة كانت أن العديد من العلويين تملكهم خوفclip_image011 هائل بسبب ما هم متأكدين منه: “إن الشعب السوري بغالبيته منهك وكاره لنظام حافظ الأسد الذي أوصل غالبيتهم لحياة قاسية ظالمة مرهقة، وما يعرفونه أن المزاج الشعبي العام وللأسباب السابقة الذكر تبنى وهم أن سبب دمار وفساد الدولة السورية هو حاكمها العلوي وطائفته. وأن من قتل أهل حماة هم العلويين”. لقد تملك الخوف عددا غير قليل من العلويين مما جعل العديد منهم المقيم بدمشق وحلب وحوران يرسلون عوائلهم إلى قراهم في جبال الساحل خوفا من أي انتقام.

 

بنفس الوقت تناقل عدد من السنة مقولات “هذا هو آواننا لاسترداد حقنا بحكم سوريا” ولكن قلة قليلة منهم فكرت بالأمر جديا أو بالانتقام من العلويين حسب الوهم المنتشر. بل يمكننا الزعم أنه لم تحدث أي حادثة بسيطة ضمن الشهور الأولى من وفاة حافظ الأسد مست أي علوي بسوريا.

 

إن ما أنتجه يوم وفاة حافظ الأسد من خوف بين الناس من الانهيار، وخوف العلويين من الانتقام، ووهم السّنّة أن العلويين هم من كانوا يحكمون، كان تحذيرا قويا وإنذارا جديا من الكارثة التي تم تأسيسها خلال 30 سنة في سوريا. لكن للأسف لا السلطة الجديدة بعد حافظ ولا حتى النخبة السياسية والثقافية بما فيها المعارضة دقت ناقوس الخطر ودعت لمعالجة هذا المرض الخطير. بالعكس تماما، السلطة السورية استمرت مع بشار الأسد بنفس المنهج لأنها قررت حكم سوريا بنفس طريقة حافظ، أما النخبة السياسية المعارضة فقد كانت ما زالت غارقة في كتب ونظريات وتنافسات فكرية بعيدة عن الواقع.

 

إذا في 10 حزيران عام 2000 مات مؤسس اسطورة “أن العلويين يحكمون سوريا” وخلفه ابنه بشار الذي استمر بنفس فضاء هذه الاسطورة وأُسس الحكم الشمولي. لكن مع تغيير واحد (يحتاج لدراسة مستقلة) هو خلخلة الحدود القاسية التي فرضها حافظ الأسد لتفصل بين السلطات الثلاث في النظام السوري: السلطة الأمنية العسكرية، السلطة الحكومية المدنية، والسلطة المالية التجارية، لقد خلط بشار الأسد الحابل بالنابل بين هذه السلطات.

 

 

 

24/03/2014